ليس للإنسانية مفهوم يحصرها أو تعريف يحددها ،بل هي بحر شامل للعديد من الأخلاقيات ، وهي على وجه العموم التألم لألم شخص أو مجتمع أو شعب ، والرأفــة بحاله والوقوف إلى جانبه عندما تعصف به الأزِمَّات و تلم به المعضلات . قد لا يوحّد هذا المجتمع أو الشعب سوى رابط الانسانية ، فكيف الحال إذا كان الرابط دينيا وعرقيا بل وتاريخيا .
منذ عام ونيف وقفت على ربوع وطن قريب تربطنا به رابطة الدم والعرق بل وصلة الدين واللغة فذهل إدراكي وتجمد إحساسي لأني لم أستطع تقبل صورة الضياع واليباب التي رسمت بأنامل الصَّغار ألوانها و أرواحهم ودماؤهم .
قررت أن أتتبع عبير الدم فانتهى بي المسير إلى أطلال حديثة العهد عليها غبار دمار يافع ، جُلتُ قليلا بروحي قبل جسدي فاقشعر بدني لرؤية مدن خاوية على عروشها ، مهجورة ، مخيفة ، مظلمة ناديت بصوت خافت فأجابني الصدى بفتوره ، والأشجار بأنينها والأطلال ببكائها ...... فهل الوصف تكفيه الحروف ؟ وهل الصورة هي أصدق تعبير لما يحدث هناك ..... هناك وراء البحر الغاضب يجثم المعذبون و يتخفى المضطهدون ، يهربون من ذئاب سلت سيوفها لمن تاقت نفسه للحرية وعشقت روحه العدالة ، وبذل عمره إكراما لتلك الأغنيّة الجميلة ، لروح البشرية - إنها الحرية المغتصبة - فطاردته أشباح البغي من زاوية لزاوية ، وعكرت كوابيس الظلام على البراءة صفو عيشها و حرمتها أبسط الحقوق